نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
بيروت تنتخب مجلسها - شوف 360 الإخباري, اليوم الأربعاء 14 مايو 2025 02:10 مساءً
kaidi
وبعد،
إلى ماذا ينظر هذا المجلس؟ إلى المدينة التاريخية، أُمّ الشرائع، أم المدينة الماردة أمام البحر يعانقها، أم بيروت المرفأ الرئيس ولو تفجر، أم بيروت العاصمة ومركز معظم الدوائر والمؤسسات الحكومية والرسمية ومقصد معظم اللبنانيين وغير اللبنانيين، أم بيروت السوليدر حيث استوطن حي هجينٌ وسط المدينة، أم بيروت الشوارع والأحياء التي لم تعد تتسع للعديد من أبناء عائلاتها فلجأوا إلى الأعالي بحثاً عن سكن لائق وهواء نقي يلاقي مصدر دخلهم، بعد أن كانوا قد سكنوا المدينة منذ خمسة قرون وأكثر، وليحل مكانهم سكانٌ جدد تزاحمت أصولهم ومشاربهم، عدا عمن أتى إلى بيروت لتكون المحطة ينتظر فيها ولو طويلا فرصة فيزا إلى بلاد بعيدة، أم بيروت الجامعة الأميركية والتي هي بحد ذاتها مدينة، أم بيروت الأحياء الأرستقراطية ويقطنها زعماء وعائلات فرضت الأمن في بعض الأماكن وحافظت على تاريخ المدينة في أماكن أخرى، أم بيروت البيروتتين الشرقية والغربية والتي ستبقى إلى الأبد تمثل الانقسام الطائفي المترجم في لغة المناصفة المعممة على أي لائحة تريد النجاح من خلال استفتاء شعبي طائفي، فتطفئ أي شمعة من شأنها إنارة الطريق لنقل لبنان إلى نادي التطور والأنسنة والرقي.
لن تتسع الصفحات لعرض ماهية بيروت وقضاياها حيث على البلدية الآتية أن تبحث فيها وتجد الحلول. بيروت ليست مدينة كسائر مدن لبنان، وليست قرية منغلقة. بيروت هي بيروت التي فيها وُلد لبنان، لأكاد أقول بيروت هي لبنان.
المعارك الانتخابية اليوم حامية في كل مدن لبنان وقراه. إنما بسبب أهمية هذه البيروت واستيعابها لكل العناوين أعلاه وأكثر، لا يمكن لأي مواطن لبناني إلا أن يُعنى بمَن هي السلطة المحلية في بيروت.
اليوم في القرن الحادي والعشرين، لم تعد البلدية تمثل عائلات مع أهمية واحترام أبناء العائلات، إنما الأهمية الأَولى هي للأحياء والمرافق والعناوين والمهام. إذا كانت عائلة ما تأهل حيين، فربما نختار عضوين من نفس العائلة، عضو لكل حي، يشرح حاجاته ويطرح الحلول. ومن الممكن أن يكون العضوان من عائلات صغيرة بعدد ناخبيها، من هذين الحيين، لكنهما يملكان المؤهلات التي تمكنهما من إحداث فرق في المجلس البلدي.
نحن على أعتاب إقرار اللامركزية الموسعة، حيث أصبح لِزاما علينا ان نتفلت من قيود العائلات والعادات القبلية وأن نعتنق رؤىً أكثر حداثة، تتماشى مع متطلبات اللامركزية. العضو البلدي لن يكون بعدها ممثلاً لعائلته، بل مسؤولاً ومختصاً في ملف أساس وحساس يهم جميع أبناء البلدة وربما الجوار، يقرر مصيرهم الصحي أو التربوي أو البيئي....
البلدية هي تجربة ومثال، إذا كان ناجحاً، تقتدي البلديات الأخرى به ويُعمم بنسبة كبيرة. هكذا تكون البلديات جميعها هي تبني وتدير لبنان. البلدية بأعضائها هي عهدهم، والانتصار في هذا العهد يتضح بعد نهاية ولايتها وليس حين الإعلان عنها وسط الجماهير المصفقة ولا حتى حين حصولهم على الأرقام العالية وتوليهم شؤون البلدية. على الأعضاء الناجحين أن يخافوا على قدر فرحهم، لأن سقوطهم في النهاية يعني سقوط المدينة وتراجعها، أي مدينتهم، نظافتها، صحة أولادهم، أمنهم، تيسير أعمالهم... نتطلع اليوم إلى بيروت فنرى التلوث البيئي، خنقات السير، غلاء المعيشة، الخطر الأمني، النزوح الإرادي من كل العائلات والأحياء، هرباً من هذا الكابوس الذي إسمه العيش في بيروت. بيروت لديها مجلس ويعمل وهذه النتيجة! كارثة!. هل الحل بتغيير الاشخاص أو الأسماء أو إدخال بعض النساء أو بعض الكفاءات؟ طبعا لا. الحل يأتي بإعادة النٍظر بالعناوين المُدرجة في مقدمة هذا المقال. الحل يبدأ من أننا حين نختار الأعضاء نختار من ينظر إلى هذه العناوين بموضوعية ومهنية عالية ونزاهة صافية وضمير حي. هذا هو المفتاح، أما وأن نمسك دائماً بمفتاح تأمين المناصفة، أو حماية المناصفة، الطائفية طبعاً، أو الدينية، سموها كما شئتم، فهذا المفتاح هو قفل وليس بمفتاح، هو أول مسمار في نعش البلدية، وأول خطأ تبتدئ به اللائحة قبل حتى أن تنجح أو تسقط، لأنها سقطت قبل ان يُعلَن عنها.
قانون الانتخاب النيابي يفرض مقاعد طائفية، ونواب التغيير لغاية اليوم عالقون في هذا النظام المقيت، ناهيك عن اللوائح المقفلة. أما ومع مستوى الحرية العالية التي لا تزال تتمتع به الانتخابات البلدية، العجب العجب من هذا الاختيار الطوعي لتركيب مقاعد بلدية طائفية. هذا وإن دل على شيء يدل على الخوف الذي لا يزال يعشعش في قلوب الجميع، يدل على الطائفية الطوعية. ربما نحن مجتمع طائفي بامتياز ويكذب من ينكر ذلك، أو أن الجميع - وكي ينجحوا - بحاجة لرضى رجال الدين والبيئة الطائفية الحاضنة التي هي من تُؤمن الأصوات العالية، وهؤلاء يفرضون المناصفة، أي يتمسكون بالنظام الطائفي. إذاً، لا زلنا مكانك راوح! للأسف!. كنت أتمنى أن أرى ولو لائحة واحدة، كاملة، يتناصفها العلم، العمر، الخبرة، الدور... وليس الطوائف هي من تتناصفها. كنت أتمنى أن أرى لائحة بأكثرية مسلمة، بالصدفة، ومن ثم يختار الأعضاء رئيساً مسيحياً، لأنهم رأوا فيه الكفاءة، أو العكس. هذا هو التغيير.
التغيير لا يبدأ ولا يصل عبر الكلام الفارغ من مضمونه، بل عبر التغيير في الأفكار وما في النفوس، وعبر وضع أساسات صلبة من المستحيل أن تنزلق ووضع انطلاقة صائبة من المستحيل ألا تصل إلى الهدف المرجو. أما انطلاقة المناصفة فهي انطلاقة خاطئة، وأي انطلاقة خاطئة من المستحيل أن تصل. غداً ستتدخل الطائفية في كل قرار والتبرير سيكون حماية المناصفة والمدينة ستبقى تحت رحمة هذا البعبع المنتصر.
المقاربة الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة رأي مجموعة "النهار" الاعلامية
0 تعليق