وقال الكاتب، موشيه فوزايلوف، في المقال الأول بعنوان "جولاني هيئة تحرير الشام ليس براغماتيا بل استراتيجيا محنّكا"، إنّ: "الكثير من الباحثين والصحفيين والمسؤولين في الغرب ينظرون إلى أبو محمد الجولاني كشخصية براغماتية، لكن هذا الاعتقاد يعكس حسب رأيه التحيزات الثقافية للغرب أكثر مما يعكس الواقع في الشرق الأوسط".
واعتبر فوزايلوف، خلال المقال الذي ترجمته "عربي21" أنّ: "فهم السبب وراء هذه النظرة يفرض البحث في كيفية تأثير الثقافة الغربية على التصورات بشأن القادة في الشرق الأوسط، وكيف يلعب الجولاني نفسه دورًا في هذه اللعبة الدبلوماسية المعقدة".
وأضاف أنّ: "الغرب مقيد منطقيًا بتحيزاته الثقافية في فهم الشرق الأوسط بسبب الاختلافات الثقافية الكبيرة بين المنطقتين، فالتفكير الغربي نتاج ثقافي لأكثر من قرن من الحروب المدمرة في أوروبا، وهي صراعات أعادت تشكيل النظام العالمي وأدت إلى تبني قيم مثل السلام والازدهار والتعاون بين الأمم".
وأبرز: "بعد حربين عالميتين أسفرتا عن مقتل عشرات الملايين من الناس ومعاناة هائلة، أصبحت الثقافة الغربية تتمحور حول الطموحات لتحقيق الاستقرار الاقتصادي وحقوق الإنسان والتناغم الدولي".
"على النقيض من ذلك، تطور الشرق الأوسط على مدى آلاف السنين كثقافة صحراوية قبلية تأثرت بالنزاعات الإقليمية والحروب الدينية التي لا تزال تحدد معالم المنطقة حتى اليوم" حسب الكاتب نفسه.
وأشار إلى أنّ: "الحروب الدينية مستمرة في الشرق الأوسط، إذ لا يزال الصراع بين السنة الشيعة والصراعات العرقية يشكلان جزءًا أساسيًا من النزاعات المستمرة في الشرق الأوسط".
وأكد: "على مدى الثلاثين سنة الماضية، هيمن الشيعة بقيادة إيران على المنطقة من خلال التحالفات والتهديدات، أما في الوقت الحالي، يكتسب التحالف السني بقيادة تركيا وجماعة الإخوان المسلمين قوة متزايدة، خاصة بعد الإطاحة بالأسد".
اظهار أخبار متعلقة
التحيز المعرفي في النظرة الغربية للجولاني
ذكر الكاتب أنّ: "الفجوة بين القيم الغربية والواقع في الشرق الأوسط تخلق تناقضًا إدراكيًا كبيرًا لدى المسؤولين والصحفيين والباحثين الغربيين. فهم يكافحون من أجل المواءمة بين صورة الزعيم الجهادي الذي استولى على السلطة في سوريا، والسياسي الذي يقدم نفسه للعالم كقائد براغماتي".
"كيف يسد العقل الغربي هذه الفجوة؟" يرى الكاتب ذاته، أن: "ذلك يتم من خلال آلية التشويه المعرفي، وهذه الآلية تعمل على النحو التالي: من أجل المواءمة بين التوقعات والواقع، يفسّر المراقبون الغربيون تصرفات الجولاني على أنها تشير إلى حدوث تغيير في شخصيته".
أيضا، وفقا للكاتب: "يُنظر إلى ارتدائه ملابس غربية، وتجنب استخدام العنف المفرط ضد مواطنيه، واستخدام لغة دبلوماسية، على أنها دليل على براغماتيته، إلا أن الحقيقة هي أن تصرفات الجولاني لا تعكس القيم الغربية، بل تعكس استراتيجية إسلامية تُعرف باسم: التّقية".
ما هي التقية؟
عرّف الكاتب "التقية" بأنها: "عقيدة تهدف إلى حماية المسلمين من الأذى أو الاضطهاد"، وأضاف أنّ: "القرآن يسمح للمسلمين بإخفاء إيمانهم عندما يواجهون "الكفار" (أعداء الإسلام) إذا لزم الأمر لحماية أنفسهم".
وأشار الكاتب إلى: "الآية 28 من سورة آل عمران (لَّا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ ۖ وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَن تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً ۗ وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ ۗ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ)، وقد يُسمح للمسلمين بإعلان الكفر في حالة الإكراه، شريطة أن يبقى الإيمان في قلوبهم".
وذكر أنّ: "نبي الإسلام استخدم التقية في معاهدة الحديبية مع قبيلة قريش؛ الكثير من الباحثين ينظرون إلى هذه المعاهدة على أنها تقية استراتيجية، حيث وافق النبي على الصلح بنية فتح مكة فيما بعد، وهو الهدف الذي حققه في النهاية".
وزعم الكاتب أنّ: "حنكة الجولاني الاستراتيجية تشبه حنكة زعيم منظمة التحرير الفلسطينية الراحل ياسر عرفات. ففي خطابٍ ألقاه في جوهانسبرغ في 10 أيار/ مايو 1994، قارن عرفات بين اتفاقات أوسلو وصلح الحديبية قبل نقضه".
وحسب الكاتب، قد: "أثبت التاريخ أن عرفات كان يعني ما قاله، وهو ما أثبتته الانتفاضة الثانية وحادثة سفينة الأسلحة كارين إيه".
اظهار أخبار متعلقة
توجيهات أردوغان
اعتبر الكاتب أنّ: "الجولاني لديه مرشد بارع هو الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وهو الذي ساعده على خداع الغرب"، مضيفا أنّ: "تركيا التي تعتبر معقلا لجماعة الإخوان المسلمين، تتفوق في التلاعب الدبلوماسي وفي تشكيل تصورات الغرب، وهو ما حدث من خلال تعليمات إلى الجولاني بكيفية إظهار واجهة براغماتية تخدم أهدافه الإيديولوجية والسياسية".
وزعم أنّ: "إحدى التكتيكات الرئيسية في استراتيجية الجولاني هي مفهوم "الهدنة" – أي التعليق المؤقت للأعمال العدائية – وهو مستمد من التاريخ الإسلامي".
وأضاف أنه: "وفقًا لسنة نبي الإسلام، فإن الهدنة مسموح بها عندما يكون المسلمون في حالة ضعف، مما يتيح الفرصة لإعادة تنظيم صفوفهم وزيادة قوتهم قبل استئناف الصراع. وعندما سُئل الجولاني عن العلاقات مع إسرائيل أو الحروب المستقبلية، لم يستبعد إمكانية العودة للقتال".
الوهم الغربي
تابع الكاتب، أن "الباحثين والسياسيين والصحفيين في الغرب الذين يفتقرون إلى فهم السياق الثقافي والديني، يفسرون تصريحات الجولاني وتصرفاته على أنها خطوة نحو تبني نسخة حديثة من الإسلام، لكن الحقيقة البسيطة -حسب تعبيره- هي أن الجولاني لا يزال يعتنق الفكر الجهادي من الناحية العقائدية، ولا تشمل أهدافه على المدى البعيد السلام أو الازدهار بالمفاهيم الغربية".
وختم الكاتب بأنه: "استنادًا إلى تجربته التي تمتد لـ30 سنة في غرف الاستجواب مع بعض من أخطر الإرهابيين والجواسيس العرب، يجب على الغرب أن ينظر إلى الشرق الأوسط وقادته من خلال عدسة واقعية تستند إلى فهم السياق الثقافي والديني في المنطقة".
إلى ذلك اتّهم الجولاني بأنه: "ليس براغماتيًا بالمعنى الغربي، بل هو استراتيجي ماهر يستخدم الدبلوماسية والتاريخ الديني والمفاهيم الغربية المغلوطة لتحقيق أهدافه".
اظهار أخبار متعلقة
لا لتخفيف العقوبات
من جانبه، اعتبر الكاتب، إريك ماندل، في مقال آخر بصحيفة "جيروساليم بوست" العبرية، أنه: "ليس من صالح الغرب أن يرفع العقوبات الاقتصادية عن سوريا في الوقت الحالي"، مشككا في الوقت نفسه من الصورة التي يريد حكام سوريا الجدد إظهارها للعالم.
وقال الكاتب إن صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية، نشرت مقالًا افتتاحيًا، متخفيًا في شكل مقال إخباري، على الصفحة الأولى، دعت فيه الغرب إلى "تخفيف العقوبات المالية لمساعدة الاقتصاد السوري".
وأضاف أن الكاتبة، باتريشيا كوهين، كتبت في هذا السياق أن "هناك اتفاقا واسع النطاق على أن الخطوة الأكثر أهمية في إعادة بناء الاقتصاد السوري لا يمكن أن تقوم بها إلا الولايات المتحدة: رفع العقوبات".
وكانت مساعدة وزير الخارجية الأمريكية لشؤون الشرق الأدنى، باربرا ليف، قد التقت الأسبوع الماضي، بزعيم هيئة تحرير الشام أحمد الشرع، وقالت: "لقد ناقشنا الحاجة الماسة لضمان ألا تشكل الجماعات الإرهابية تهديدًا داخل سوريا أو خارجها..".
وأبرز المقال: "بناءً على مناقشاتنا، أخبرته بأننا سوف نلغي المكافأة التي عرضناها ضمن برنامج المكافآت من أجل العدالة". ونقلت وكالة "أسوشييتد برس" عن المسؤولة الأمريكية قولها، إنّ: "الشرع التزم بنبذ الإرهاب".
وحسب الكاتب، فإنّ: "إلغاء مكافأة الـ 10 ملايين دولار أمريكي التي رصدتها الولايات المتحدة في وقت سابق من أجل أي معلومات تؤدي للقبض على زعيم هيئة تحرير الشام، لا يمكن أن يمحو تاريخه كزعيم منظمة جهادية متطرفة سفكت الكثير من الدماء".
وأضاف أنّ: "تاريخ الجهاديين السنة الذين يسيطرون على الدول الاستبدادية ويعدون بالاعتدال والتسامح مقابل التطبيع مع الغرب ليس مشجعًا، مشيرا إلى حركة طالبان في أفغانستان، وجماعة الإخوان المسلمين في مصر، والفوضى المستمرة في ليبيا ما بعد القذافي".
وقال الكاتب في هذا السياق: "دعونا نلقي نظرة على سجل الشرع في مجال حقوق الإنسان قبل أن نفقد صوابنا ونصدق كلام زعيم هيئة تحرير الشام، لقد تم إنشاء هيئة تحرير الشام قبل 13 سنة على يد قيادات القاعدة وداعش، وجميعهم تصنفهم الولايات المتحدة كإرهابيين".
"قد ذكرت الحكومة الأمريكية أن هيئة تحرير الشام ارتكبت جرائم حرب متمثلة في الاغتصاب وغيره من أشكال العنف الجنسي السنة الماضية" بحسب الكاتب نفسه.
وتابع: "أضف إلى ذلك التعذيب، وفرض الشريعة الإسلامية بشكل صارم في محافظة إدلب التي كانوا يديرونها في شمال غرب سوريا، وإدارة السجون السرية، وقتل الصحفيين، وقمع النساء، وإعدام المعارضين، واستخدام الأطفال كجنود".
ونقل الكاتب عن الخبير في مكافحة التجسس والإرهاب في معهد واشنطن، ماثيو ليفيت، قوله: "يجب أن لا تستند السياسة الأمريكية في سوريا مستقبلا على الثقة بأقوال المسؤولين السوريين الجدد بل على التحقق من أفعالهم... قبل التفكير في رفع العقوبات".
واعتبر الكاتب أنّ: "الأمر الأكثر ضررا على مصالح الولايات المتحدة الأمنية أن أحد الخبراء الذين ظهروا في مقال "نيويورك تايمز" اقترح أن يتخلى الحليف الكردي السوري، أي قوات سوريا الديمقراطية، عن عائدات حقول النفط لصالح الجهاديين الذين سيقودون الحكومة القادمة في دمشق".
وقال المدير المشارك لمركز دراسات الشرق الأوسط في جامعة أوكلاهوما، جوشوا لانديس: "كان النفط يوفر في السابق حوالي نصف عائدات البلاد، وهذه الحقول من حق الحكومة في دمشق ويجب أن تعود إلى سيطرتها".
المساعدات الخارجية أداة مهمة
أكد الكاتب أن وجهة نظره تستند إلى إيمانه بأهمية وفعالية المساعدات الخارجية الأمريكية التي تخلق نفوذًا وتأثيرًا أمريكيًا كبيرًا، والتي تبقى واحدة من أهم أدوات تعزيز مصالح الأمن القومي الأمريكي، رغم آراء الانعزاليين.
واعتبر أنّ: "الصين فرضت نفسها كخصم رئيسي للولايات المتحدة في أفريقيا والشرق الأوسط وآسيا من خلال مبادرة الحزام والطريق، وقوضت مصالح الولايات المتحدة من خلال الاستثمار في الدول المتخلفة".
وأضاف: "لسوء حظ هذه الدول، ينتهي بها الأمر بقبول قروض غير قابلة للسداد يستخدمها الصينيون للتلاعب وابتزاز الدول الفقيرة، وهذا يمثل ضربة للمصالح الأمريكية".
وأبرز الكاتب أنّ: "الدافع الأمريكي هو مساعدة المدنيين المتضررين من الحروب في غزة ولبنان وسوريا، ويتفق هذا الدافع مع مصالح الولايات المتحدة القائمة على قيمها كمنارة للديمقراطية، ولكن المساعدات ستؤدي إلى نتائج عكسية وستكون مضيعة لأموال دافعي الضرائب الأمريكيين ما لم يتم التأكد من نوايا الحكومة الجديدة في دمشق".
وحسب رأيه، فإنه: "لا تزال الحكومة اللبنانية خاضعة لهيمنة حزب الله، الحركة المدعومة إيرانيًا، ومساعدات إعادة الإعمار في البلاد لن تكون استثمارًا أمريكيًا جيدًا ما لم تتحرر الحكومة اللبنانية القادمة من الحزب، مشددا على أنه لا ينتظر تغييرًا حقيقيًا في دولة لبنان الفاشلة خلال الانتخابات القادمة".
أما في غزة، فتابع بأنه: "المساعدات الإنسانية ضرورية، لكن إعادة بناء البنية التحتية للقطاع قبل التأكد من عدم عودة حماس إلى السلطة هو استثمار سيء لتعزيز مصالح الولايات المتحدة أو مصالح حليفتها إسرائيل".
ويتابع: "إذا كانت حماس تعتقد أن المناطق المدنية التي تستخدمها لمصانع الأسلحة واحتجاز الأسرى وإخفاء الذخائر سيتم إعادة بنائها كما حدث بعد الحروب السابقة منذ 2008، سيتم التلاعب بالولايات المتحدة مرة أخرى، ويجب أن نرفض ذلك".
وأكد أنه: "باستثناء المساعدات الإنسانية من الماء والغذاء والوقود التي يجب تنظيمها بإحكام، وبعيدًا عن المنظمات غير الحكومية التي تتعاون مع حماس مثل الأونروا، يجب ألا تستثمر أمريكا أي أموال في إعادة الإعمار حتى تتأكد من أن حماس لا يمكن أن تكون جيشًا أو سلطة حاكمة مرة أخرى، وهذا سيستغرق وقتًا وصبرًا".
وأضاف الكاتب أنّ: "إدارة الكفاءة الحكومية الجديدة التي سيديرها إيلون موسك وفيفيك راماسوامي تتحمل مسؤولية كبيرة بعدم إهدار أموال دافعي الضرائب، ما يعني عدم تقديم مساعدات إعادة الإعمار لغزة ولبنان وسوريا بشكل يتجاوز الاحتياجات الإنسانية الأساسية، وحتى يتم ترتيب الوضع الفوضوي والتأكد من نوايا السلطات الحاكمة".
اظهار أخبار متعلقة
وختم الكاتب بأنه: "قبل الابتهاج بصعود هيئة تحرير الشام إلى سدة الحكم والاقتناع بتصريحات مبعوث الأمم المتحدة لسوريا، غير بيدرسن، الذي قال إن قادة المعارضة السورية أدلوا بـ"تصريحات مطمئنة" حول تشكيل حكومة "وحدة شاملة"، يجب أن تتوقف الولايات المتحدة قليلا وتتذكر المبادئ الأيديولوجية المتطرفة لهيئة تحرير الشام".
وحسب تعبيره: "يجب أن تضع الإدارة القادمة خطة لمساعدة سوريا عبر استراتيجية العصا والجزرة؛ أي أن تكافئ الخطوات الملموسة تجاه الموقف الأمريكي، وتستمر في استخدام عصا العقوبات..".
واستطرد: "يجب أن يكون نهج الولايات المتحدة هو تقديم المساعدات الإنسانية، ولكن لا للمساعدات الأمريكية لإعادة الإعمار أو تخفيف العقوبات إلى أن تتأكد بشكل لا لبس فيه أن سوريا لن تكون جهادية".
0 تعليق