أليست هذه "روايةً" يا محمّد؟! - شوف 360 الإخباري

النشرة (لبنان) 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
أليست هذه "روايةً" يا محمّد؟! - شوف 360 الإخباري, اليوم الاثنين 12 مايو 2025 02:10 صباحاً

أليست هذه

تعبيرية (غوغل)

قال لي محمّد، وهو روائيٌّ كبيرٌ، فذّ، وأخي الذي عثرتُ عليه منذ زمنٍ طويل، إنّه سيعلّمني أنْ أنزع عنّي جلدي، أنْ أخرج منه، وأنْ أكتب شيئًا غير الشعر. أي أنْ أكتب العالم، ليس من خلال ذاتي لكن من خلال ذات العالم. قال لي ذلك، وهو يقصد ربّما، أنْ تكون كتابتي على طريقة كيف يفكّر شخصٌ آخر، ويعيش ويتصرّف و... يكتب؛ كعابر سبيل، دكّنجيّ، فرمشانيّ، سائق تاكسي، رجل أعمال، مقاتل، مدام بوفاري، أخ أكبر...، وأنْ، أيضًا، أنحلّ في اللغة، وينحلّ فيَّ الهواء، الأمكنة، الأزمنة، الأشياء، الكائنات، التفاصيل، والظلال، لكي أتمكّن من أنْ أصير روائيًّا. 
قلتُ لا أعرف أنْ أكتب رواية. لستُ مهيّأ لمثل هذا النوع من الكتابة، ولا أنْ أكون كائنَين مختلفَين في الآن نفسه؛ انا الشخص وأنا الكاتب الذي يكتب. هذه المسألة تتطلّب منّي أنّ أتدرّب. فكيف أفعل ذلك، وأنا لا ينفع فيَّ علمٌ، ولا تدريب. كلّ يوم أستفيق، كلّ يوم أشرب القهوة، كلّ يوم أحبّ، كلّ يوم أموت، وكلّ يوم أقع في الغلطة نفسها، ولا أعرف أنْ أتداركها، وأزيح عنها، فكيف تريدني أنْ أكتب رواية. 
كيف، يا محمّد، أشرح لكَ هذه المسألة التي لا أشعر حيالها بالنقصان، ولا تجعلني أجتهد لأصير روائيًّا. بل تزيدني إيمانًا بأنّي شاعر، ولا أعرف أنْ أفعل شيئًا آخر. هل يجب أنْ أعرف شيئًا آخر؟ نعم، لكنّي لا أرى في ذلك ضرورة، وحاجة. 
علاقتي بالكتابة تشبه علاقتي باللغة العربيّة. لا أعرف أنْ أعيش خارج هذه اللغة، أو أفكّر من خارجها. هي جسدي الحقيقيّ. وروحي. ولاوعيي. وعالمي الواقعيّ. والآخر الافتراضيّ. والتخييليّ. وهي أيضًا وطني.
أزعم، يا محمّد، أنّ العالم كلّه مقيمٌ فيَّ، بمآسيه، وفواجعه، وعبثياته، وبالعدميّة جميعها. كلّما أقحمتُ نفسي فيه، لا أعثر على طريقة للكتابة إلّا من خلال لغة الذات. لهذا أزعم أنّي شاعرٌ روائيٌّ تمامًا، بلغتي وأدواتي، من دون أنْ أمتلك تقنيات الرواية. يكفيني أنْ أجلس وراء شاشة، لتهجم عليَّ الكلمات، كما فوق هاوية. بالنزق الذي يعتري ابن العشرين وهو يهجم على علاقةٍ غراميّة. وها أنا في السبعين، أهجم فلا يلجمني اصطدامٌ بجدار، ولا ارتطامٌ بقعر. ألا يكفي هذان الاصطدام والارتطام، و"روايتهما" لأكون روائيًّا، لكنْ بصفتي شاعرًا فحسب؟! 
وبما أنّي أنسى، فإنّي أنسى ما أراكمه في الكلمات، وفي الحياة. لهذا السبب أنا في دهشة المفاجأة اللغويّة الدائمة. دهشة الاكتشاف. وللسبب نفسه، أنا جاهلٌ. كمثل أنْ أحضر فيلمًا وأنسى وقائعه وأسماء الممثّلين فيه. بل كمثل أنْ أقرأ شعرًا لشاعر وأنسى أنّي قرأتُ له جملةً واحدة. وعندما أعود أقرأه، فكأنّي أقرأه للمرّة الأولى. هذه حالي مع الموسيقى. واللوحة الفنّيّة. 
كيف يمكنني أنْ أجلس لأكتب رواية؟ يلزمني أنْ أكون سوبرمان. حائطًا. لا أستطيع لا أستطيع. لا أتحمّل أنْ أجلس أكثر من ساعة، من ساعتين. بعدهما، أصاب بما يُصاب به الموتى من انحلال الجسم وفرار الروح. 
أليست هذه روايةً، يا محمّد؟!

العلامات الدالة

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق