نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
هل بدأت "حماس" إدراك الواقع؟ - شوف 360 الإخباري, اليوم الثلاثاء 13 مايو 2025 11:10 مساءً
في مشهد سياسي غير مألوف، أعلنت حركة "حماس" انخراطها في مفاوضات مباشرة ومتقدمة مع إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، مبدية نيّتها إطلاق سراح الجندي الأميركي الإسرائيلي عيدان ألكسندر. خطوةٌ وُصفت بأنها “بادرة حسن نيّة”. إطلاق سراح الجندي بالفعل فتح باباً واسعاً للتساؤل: هل بدأت "حماس" إدراك الواقع الإقليمي والدولي والتصرّف بعقلانية سياسية جديدة؟
منذ تأسيسها، تمسّكت "حماس" بمبدأ “المقاومة المسلحة” أداة لتحرير فلسطين، ورفضت الحوار المباشر مع واشنطن، ولا سيما في ظل انحيازها التاريخي إلى إسرائيل. أما اليوم، فتظهر الحركة بوجه مغاير: تفاوض مباشر مع الولايات المتحدة، مبادرات لإطلاق أسرى، وانفتاح على تسويات مرحلية مشروطة بوقف الحرب ورفع الحصار، دون التخلي عن السلاح أو مشروع المقاومة.
هذا لا يعني أن "حماس" غيّرت جلدها الأيديولوجي، لكنها تُدير المعركة السياسية بتكتيك أكثر مرونة، مدفوعة بواقع ميداني كارثي، وتراجع البيئة الحاضنة إقليمياً، وضغوط داخلية من سكان غزة المنهكين من حربٍ لم تُبقِ حجراً على حجر.
إعلان "حماس" الإفراج عن الجندي الأميركي - الإسرائيلي شكل مفاجأة سياسية. فبخلاف العمليات التفاوضية السابقة التي كانت تمر عبر وسطاء، اختارت الحركة الانخراط المباشر مع واشنطن، دون أن تربط ذلك بتنازلات جوهرية عن سلاحها أو مشروعها السياسي.
ترامب، بدوره، رحّب بالخطوة، معتبراً أنها “بادرة حسن نيّة”، وقد تكون “أولى خطوات إنهاء النزاع الوحشي”، بحسب قوله. ويبدو أن حسابات ترامب تتجاوز غزة، فالرئيس الذي يسعى لتسجيل إنجازات ديبلوماسية في الشرق الأوسط، يدرك أن اختراق جدار "حماس" سياسياً، يضعه في موقع الوسيط الحاسم.
لكن، ما الذي تغيّر في موقف "حماس"؟ يمكن رصد ملامح هذا التغير في مناطق عدة. أولاً الخطاب، فتصريحات مسؤولي الحركة أخيراً تعكس نبرة سياسية أكثر واقعية. الحديث لم يعد فقط عن “التحرير الشامل”، بل عن “التهدئة الطويلة”، “ترتيبات اليوم التالي”، و”إدارة محلية لقطاع غزة”. ثاني ملامح التغيير يبدو في المرونة، قبول "حماس" بوساطة أميركية مباشرة، والاستعداد لبحث تشكيل إدارة جديدة لغزة من شخصيات غير منتمية لها، هما تحوّل نوعي في منهج الحركة. كل هذا يؤدّي الى التغيّر الثالث الذي أصاب الحركة وهو البراغماتية، تمسّك الحركة بسلاحها، مع القبول بتفاهمات ميدانية، يشبه إلى حدّ كبير مقاربة "حزب الله" في لبنان، لكنها تختلف في السياق: فـ"حماس" تُفاوض وهي تحت الحصار وتواجه دماراً واسعاً، وتسعى لتفادي انفجار داخلي جديد بعدما وصل أهل غزة إلى حدود الكفر بالحركة واليأس من تحسّن الأوضاع في ظلّ استمرارها مسيطرة على مستقبلهم وحياتهم...
لا يمكن تجاهل أن تحركات "حماس" الجديدة تأتي في ظل خسائر بشرية وميدانية فادحة، وضغوط شعبية غير مسبوقة. فالاستمرار في القتال بلا أفق سياسي يهدّد بتفكك القاعدة المجتمعية التي طالما اعتمدت عليها الحركة. من هنا، يمكن قراءة سلوك "حماس" على أنه محاولة لتفكيك الأزمة دون “سقوط سياسي”.
في المقابل، تسعى إسرائيل لتفريغ هذه التحركات من مضمونها، وتصرّ على “نزع السلاح وإنهاء حكم حماس”، رافضة أيّ اتفاق لا يضمن تصفية البنية العسكرية للحركة. نتنياهو، المأزوم سياسياً، يرى في الحرب وسيلة للبقاء في السلطة، ويرفض الانحناء أمام ضغوط ترامب التي باتت علنية.
يرى مراقبون أن "حماس" باتت أمام منعطف حرج: إما أن تُرسّخ صورة “حركة براغماتية” قادرة على الجمع بين المقاومة والسياسة، أو تسقط في فخ الضغوط التي قد تفرّغ مشروعها من مضمونه.
في هذا السياق، يمكن القول إن “العقلانية” التي بدأت تتبدّى في سلوك الحركة، ليست استسلاماً، بل محاولة للحفاظ على وجودها ومشروعها الوطني، عبر أدوات أكثر ديبلوماسية وأقلّ كلفة بشرية. وربما يكون هذا أول إرهاصات تحوّل في بنية القرار السياسي داخل الحركة، يواكب المتغيرات الإقليمية والدولية.
صحيح أن من المبكر الجزم بأن "حماس" غيّرت نهجها جذرياً، لكن المؤكد أن الحركة بدأت تُدرك محدودية المواجهة الصفرية، وضرورة إعادة تعريف أدواتها النضالية في ظلّ واقع دولي متغيّر. وإذا ما استمرّت في هذا النهج، دون الوقوع في فخ الإملاءات، فقد تتحوّل إلى لاعب سياسي مركزي في معادلة اليوم التالي لغزة، لا مجرد فصيل عسكري يُقاتل في الفراغ، وبلا مستقبل.
فالسؤال لم يعد: هل تتغيّر "حماس"؟ بل: إلى أيّ مدى يمكنها الحفاظ على ثوابتها بينما تواكب الواقع بعقلانية؟
0 تعليق