«عكاظ» رصدت ميدانياً كثرة ما يحيط بالمعارض وساحات الحراج من ورش تعديل وسمكرة وتوضيب سريع وتلميع مؤقت، ما يعني النوايا المبيّتة مع سبق الترصّد!
وبحسب فريد النعماني، الذي قال: أنا أحد المتضررين من عمليات الاحتيال في مزادات السيارات. قمت بالمزايدة على مركبة، اعتقدت أنها من طراز محدد وفوجئت أنها مجرد مركبة معدلة لتظهر كأنها هي من قصدتها.
أما عماد أديب فيقول: اشتريت سيارة موديل 2018م، وفي اليوم التالي سافرت بها إلى نجران. شحنت السيارة ووصلت يوم الأحد، وفحصتها يوم الإثنين، وتبين وجود تعديل في «الشاصيه» ولحام، وصوت في المحرك والقير. كما اكتشفت أن السيارة تعرضت لـ11 حادثةً سابقةً، ومنحت 65 تفويضاً.
أما محمد الغانم فيقول: اشتريت مركبة، وسددت جميع الرسوم اللازمة للنقل والتأمين وطلبت تجربة المركبة «محرك وقير»، لكن المزاد رفض ذلك. قالوا إنه يمكنني فحصها بعد النقل. وبعد النقل، فحصت المركبة ووجدت بها مشكلات عدة، منها «صدمات» وتلف في «الشاصيه»، وتبين أن المركبة غير صالحة.. مجرد «تشليح».
من جانبه يقول محمد العصيمي لـ «عكاظ»: أنا أحد المتضررين من المزادات التي تُقام لبيع المركبات، اذ تُباع نسبة كبيرة منها (حوالى 80%) وهي تحتوي على مشكلات وتلفيات متنوعة، مثل الغرق، والانقلاب، والأعطال في المحرك أو ناقل الحركة، وغيرها من الأعطال.
كيف تعرفها غارقة؟
عضو هيئة التدريب بالكلية التقنية بالطائف المهندس خالد عبدالله قدسي، يرى أن بعض الباعة والشريطية يستخدمون أساليب وحيلاً. محذراً من شراء المركبات التي غرقت في السيول، وهذه من الصعب اكتشافها قبل البيع سوى ما يمكن معاينة صدّامي المركبة من الخلف والأمام فقد يتّضح وجود رمل داخلهما ما يعني غرقها في مياه الأمطار، وثانياً ما يقومون به بتغيير زيوت ثقيلة قبل البيع لمنع ظهور دخّان «التبويش»، وثالث الأساليب استخدامهم أسلوب التلميع الاحترافي لـ«البودي» الخارجي لإخفاء عيوب الصدمات إذ يتم كشفها عبر أجهزة خاصة، ومن الأساليب تركيب قواطع حماية لإطفاء لمبات «الايرباق» والصيانة والتشييك والفرامل لإيهام المشتري بأنها سليمة.
رش «الشاصات»
وأضاف عضو التدريب خالد قدسي، أن البعض يرش «شاصات» المركبة من الأسفل بمادة الأسفلت الأسود لإخفاء ما تعرّض له الشاص من قص وانحناءات بسبب الحوادث والانقلابات، ويعمد بعض الشريطية والباعة على تغيير إطارات مقلّدة إضافة لِجلَد المقصات والأذرعة، ويقوم هؤلاء بتوضيب الماكينة أو القير من خلال قطع غيار مقلّدة لضمان البيع السريع، وينصح قدسي، بضرورة التأكد بالفحص وسؤال أهل الخبرة قبل الشراء، حاثاً الباعة على الخوف من الله وإظهار جميع العيوب قبل البيع.
النيابة تتدخل
مصدر مسؤول في النيابة العامة، كان قد أكد أن نيابة الجرائم الاقتصادية وجهت الاتهام لمالك معرض سيارات بتهمة الغش التجاري. وكشفت إجراءات التحقيق قيام المتهم ببيع مركبة بعد إحداث تغيير جذري في هيكلها وتفاصيلها لتبدو كأنها حديثة الصنع، وبالتحري عن المركبة تبين أنها تعرضت لحادثة مرورية وتم تقديرها من الجهة المختصة بأنها تالفة بالكامل.
وتمت إحالة المتهم للمحكمة المختصة بتهمة الغش التجاري وذلك ببيع منتج مغشوش دخل عليه التغيير والتبديل، وأكد المصدر، الحماية العدلية للعملية التجارية في المملكة، وأن أي انتهاك لها بممارسة سلوكيات آثمة موجبة للمساءلة الجزائية طبقاً لنظام مكافحة الغش التجاري.
كيف نواجه المحتالين؟
الإخصائية الأسرية والاجتماعية عفاف أبو شال، ترى أن الغش في بيع السيارات يُعد من القضايا التي تؤثر بشكل كبير على الأفراد والمجتمع. فعندما يُخفى عيوب المركبة أو يتم التلاعب بمواصفاتها، يعاني المشترون من خسائر مالية وأحياناً من مخاطر صحية. والأثر الاجتماعي لهذه الممارسات يتجاوز الأضرار الفردية ليؤثر في الثقة المتبادلة بين الأفراد في المجتمع، ويعزز ثقافة الاحتيال التي قد تنتقل من بيئة البيع إلى مجالات أخرى، وأضافت أبوشال، أنه يمكن للمجتمع الحد من هذه الظاهرة عبر طرق عدة منها توعية الأفراد حول حقوقهم كمستهلكين وضرورة التأكد من سلامة المركبة قبل الشراء عبر فحصها من قبل مختصين، ويجب تكثيف الرقابة من الجهات المعنية على معارض السيارات والتأكد من التزامها بالقوانين التي تحمي المستهلك. ويمكن للمجتمع الحد من هذه الممارسات عبر تعزيز ثقافة الأمانة والمصداقية، خصوصاً بين الأقارب الذين قد يتورطون في هذه المعاملات. وأخيراً، لا بد من تشجيع الضحايا على الإبلاغ عن هذه الممارسات، لتفعيل دور القانون في محاسبة المخالفين.
عدم المصداقية
محاضرة الإعلام بجامعة الطائف الدكتورة عزيزة الحارثي، قالت: إن استخدام الممارسات التقنية ساهم بشكل ملحوظ في السوق المحلية، ونتج عنه بعض من الإيجابيات فيما يخص النشر والتوعية بكل جديد في شتى المجالات، لاسيما في ظل الانشغال وازدحام الأعمال وتسارع الوقت الذي يعاني منه الجميع. وأضافت أنه قد تشكل مع ذلك الأثر الإيجابي خدمةً للمستهلك، ومع ذلك لا تعدم وجود بعض الممارسات السلبية لبعض وسطاء بيع السيارات ما يعد استغلالًا واضحاً لعدم المصداقية وغموض المعلومات عن السلعة، وتزايد ذلك مع ازدياد عدد الوسطاء، إذ يمكن لأي شخص أن يصبح وسيط بيع دون امتلاك رخصة عمل. وتضيف الحارثي، أن ذلك أسهم في انتشارهم وكثرة تواجدهم على منصات التواصل الاجتماعي والتجارة الإلكترونية دون رقابة صارمة أو مساءلة واضحة لمن ينشر معلومات مزيفة من المواقع نفسها، أو يستخدم أساليب ملتوية، وعمليات غش إلكترونية، وتعمد رفع السعر من قبل تكتلات مضاربي السيارات، وتدليس الأسعار أو البضاعة. وترى الحارثي، أن البعض يعمد على نشر إعلانات وهمية في محاولة للنصب والاحتيال الإلكتروني لتحويل مبالغ مالية كمقدم عقد أو كدفعات، مع التصيد وتعظيم الاستفادة من فجوة المعلومات لدى بعض المستهلكين.
جرّبها قبل الشراء
أكدت الدكتورة عزيزة الحارثي، أنه في الجانب الآخر هناك تعدد في التطبيقات الإلكترونية المتخصصة لتصفح السيارات حسب موديلاتها وإصداراتها، وبميزات عالية في البيع والشراء عبر الإنترنت، وإتاحة تمويل وتقسيط السيارة، كما يوفر بعضاً منها فحص السيارة، والتجربة لمدة زمنية محددة، مع توافر الضمانات وإتمام كافة إجراءات الشراء والتوصيل.
وأشارت، إلى أن التطبيقات المتخصصة في فحص السيارات: كخدمة «موجز» أسهمت للحد من فجوة المعلومات التاريخية حول السيارات المستعملة، والحصول على تقرير عن الحوادث، عدد المالكين السابقين، الصيانة والإصلاحات، وبعض تلك المواقع تدعم التحقق من الأسعار مع متوسط الأسعار في السوق لاكتشاف أي محاولة احتيال قائمة على تقديم أسعار غير منطقية. وأضافت، لا ننكر وجود التوعية العامة عبر مواقع الإعلام الجديد بإطلاق حملات التوعية لتحذير المواطنين من أساليب الاحتيال الشائعة، وذلك عن طريق جمعية حماية المستهلك لتقييم خدمات ما بعد البيع لدى وكلاء السيارات، إذ يهدف هذا الاستبيان لتحسين تجربة المستهلك في السوق السعودية، كما يمكنهم تقديم بلاغ نصب واحتيال بشكل إلكتروني عن طريق الدخول إلى موقع وزارة الداخلية الإلكتروني، وهو من الطرق التي قدمتها الجهات الرقابية وعملت على نشر التوعية بها، إذ حدت من تلك الممارسات السلبية.
قاعدة بيانات للمستخدمة
موضحة أن نظام مكافحة الغش التجاري نص على تطبيق العقوبات بهذا الشأن، ويعاقب بغرامة وسجن كل من ارتكب إحدى المخالفات المنصوص عليها لحماية المستهلك، كما تُمنح مكافأة تشجيعية بنسبة لا تزيد على 25% من مقدار الغرامة المتحصلة لمن يساعد في الكشف عن حالات الغش التجاري، وهذا يساهم في ردع كل وسيط بيع لا يمتثل لأخلاقيات المهنة. ولفتت الحارثي، إلى أنه يمكن تقديم بعض الحلول لتحجيم ظاهرة الغش في بيع المركبات؛ باتخاذ الإجراء الإلكترونية نفسها التي اتخذت للحد من الغش العقاري، في اشتراط رخصة مسوق للمركبات، وإنشاء منصة إلكترونية حكومية، تضم قواعد بيانات مركزية توفر أكبر قدر من المعلومات عن السيارات الجديدة والمستخدمة، ومتوسط أسعار الأسواق المحلية والعالمية، وتضم مسوقي وشركات ومعارض السيارات والربط على منصة أبشر للبائع والمشتري، مع خضوعهم للقوانين المنصوصة في البيع والشراء الإلكتروني. وتتفرع منها المنصات المتصلة كـ «موجز»، وجمعية حماية المستهلك، ونظام مكافحة الغش التجاري، مع تكثيف الحملات الإعلامية بشأنها.
إبطال العقد
المستشار القانوني الدكتور وليد الذيابي، كشف أنه يحق للمشتري فسخ عقد المبايعة إذا تعرض للغش والتدليس ممن يسمَّوْن بشريطية السيارات في إخفاء العيوب، والتلاعب بعدادات السرعة، والإطارات المؤقتة، والتغيير في ما يسمى عرفاً ممشى السيارة الحقيقي، وفي الهيكل الخارجي، الا إذا ثبت تأخره بالفسخ بعد علمه بالعيب وفي هذه الحالة يحق له طلب العوض وفقاً لما تمليه الأحكام الفقهية. وفي حال قيام البائع بخداع المشتري بطرق احتيالية على محل العقد (المباع) أن يطلب إبطال العقد، ويحق للمشتري في حال الاحتيال أن يفسخ العقد، ولا يقف الأمر عند الفسخ بل يساءل «الناجش» ومن اتفق معه جنائياً.
مؤشرات على وكالات السيارات
وزير التجارة الدكتور ماجد القصبي، كان قد كشف قبل ستة أشهر، أن الوزارة ستطلق مؤشرات معلنة على وكالات السيارات ابتداءً من العام القادم 2025م. جاء ذلك في رده على سؤال خلال حضوره في مجلس الشورى عن وجود احتكار في وكالات السيارات.
وأشار القصبي، إلى أن هنالك ما يسمى منافسات، وقد تم رصد ممارسات خاطئة في سوق السيارات، وتم إصدار عقوبات بشأنها، مؤكداً أن الأنظمة في المملكة تمنع الاحتكار.
«عكاظ» تواصلت مع شيخ المعارض بالرياض إلا أنه رفض التعليق وأحال الموضوع إلى إدارة المرور، مبرراً بأن المزادات ليست من ضمن مسؤولياته، وتم التواصل مع وحدة المعارض في إدارة المرور، إلا أن «عكاظ» لم تحصل على إجابة حتى نشر التقرير.
راجعها بـ 90 ريالاً
يطالب مواطنون بالتصدّي للغش الذي يقع في حراج السيارات بالتوازي مع مساعي فك احتكار الوكالات، إذ قال عجب الروقي: إنه أحد المتضررين حينما اشترى سيارة واتضح لاحقاً أن عداد السرعة تم التلاعب فيه، وهذا خلل واضح، ويشير عبدالرحمن الزهراني، إلى أنه انجذب لسيارة بدت جديدة في الحراج، وحين أقبل إليها ظهر اثنان في مزايدات السعر ليخرج ثالث من خلفهم ينصحه بالشراء كون السعر مناسباً، واتضح أن الثلاثة أصدقاء، والمركبة فيها عيوب تم إخفاؤها فخسر نحو 10 آلاف.
وفي ظل تفاقم ممارسات الشريطية وفّر تطبيق (موجز) المروري تقديم بعض الخدمات الاسترشادية للراغب في شراء المركبة المستخدمة من التحقق من ماضي المركبة من نواحٍ عدة، مثل عدد الملاك السابقين، الحوادث، الصيانات، التفاويض وغيرها من المعلومات المتعددة حسب تسجيلها لدى مصادر البيانات المتعددة، ويتطلب التطبيق دفع مبلغ مالي يصل 90 ريالاً حين الاستعلام عن تاريخ المركبة.
ويحث مختصون بضرورة استيضاح ما تعرّضت له المركبة قبل الشراء، مع أهمية التوعية القانونية لمحاسبة المتحايلين.
0 تعليق