26 ديسمبر 2024, 1:32 مساءً
في أعقاب الهجوم الذي شنَّتْه حركة حماس في 7 أكتوبر، كشف تحقيق أجرتْه صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية عن تغييرات جذرية في خطة إسرائيل العسكرية؛ مما أثار تساؤلات حول التزامها بحماية المدنيين خلال عمليات القصف في غزة، وهذه التغييرات التي تم تنفيذها في الأسابيع التي تلت الهجوم، قوضت بشكل كبير نظام الضوابط والتوازنات الذي كان موجودًا في السابق لحماية المدنيين؛ ممّا جعل من الأسهل على إسرائيل شنّ ضربات على غزة.
عتبة الضرر المدني
في الصراعات السابقة مع حماس، التزمت إسرائيل بمعايير صارمة لحماية المدنيين؛ حيث سُمح للضباط بتعريض عدد قليل من المدنيين للخطر، عادةً أقل من 10 أشخاص، وفي بعض الحالات كان الحدّ الأقصى هو خمسة أو حتى صفر. ومع ذلك شهدت الحرب الأخيرة رفعًا كبيرًا لهذه العتبة؛ ففي بداية الحرب زاد الجيش الإسرائيلي عتبة الضرر المدني المسموح به في الضربة الواحدة إلى 20 شخصًا، قبل أن يخفضها في بعض السياقات بعد شهر. كما سُمح بضربات قد تضرّ بأكثر من 100 مدني على أساس كل حالة على حدة.
واتّسع نطاق الأهداف العسكرية التي تسعى إسرائيل إلى ضربها بشكل كبير؛ فلم تعد العمليات تقتصر على كبار قادة حماس ومخازن الأسلحة ومنصات إطلاق الصواريخ، بل شملت أيضًا آلاف المقاتلين ذوي الرتب المنخفضة، وحتى أولئك الذين لهم علاقة غير مباشرة بالشؤون العسكرية. هذا التوسع في الأهداف يثير تساؤلات حول دقّة الاستهداف ومدى تأثيره على المدنيين؛ فمع وجود عدد أكبر من الأهداف قد يصبح من الصعب على إسرائيل التمييز بين الأهداف العسكرية والمدنية؛ مما يزيد من خطر إلحاق الضرر بالمدنيين.
وأصدرت القيادة العسكرية الإسرائيلية أوامرها بإزالة القيود على عدد المدنيين الذين يمكن تعريضهم للخطر يوميًّا؛ ففي البداية سُمح للقوات بتعريض ما يصل إلى 500 مدني للقتل بشكل تراكمي في الضربات المخطط لها. وبعد يومين تم رفع هذا الحد؛ مما سمح للضباط بتنفيذ عدد الضربات التي يرونها قانونية، دون قيود يومية. هذا التغيير في السياسة يثير مخاوف بشأن احتمال زيادة عدد الضحايا المدنيين، خاصة مع عدم وجود قيود على عدد الضربات التي يمكن تنفيذها في يوم واحد.
قصف مكثف
واتّسمت وتيرة حملة القصف الإسرائيلية بأنها واحدة من أشدّ الحملات في القرن الحادي والعشرين؛ حيث أطلقت إسرائيل ما يقرب من 30 ألف قطعة ذخيرة في غضون الأسابيع السبعة الأولى من الحرب، وهو ما يفوق بكثير ما قامت به قوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة في حملتها ضد تنظيم "داعش" الإرهابي، هذه الوتيرة السريعة أثارت مخاوف بشأن قدرة الضباط على فحص الأهداف بشكل صحيح وتجنب إلحاق الضرر بالمدنيين؛ فمع وجود عدد كبير من الضربات في فترة زمنية قصيرة، قد يصبح من الصعب على إسرائيل التأكد من دقة الاستهداف وتجنب الأهداف المدنية.
واعتمدت إسرائيل في كثير من الأحيان على نموذج إحصائي مبسط لتقييم مخاطر الضرر المدني؛ حيث قامت بتقدير عدد المدنيين في مبنى معين من خلال صيغة تعتمد بشكل كبير على مستوى استخدام الهاتف المحمول في الحي المحيط. هذا الأسلوب في التقييم يثير تساؤلات حول دقته ومدى فعاليته في حماية المدنيين؛ فمن المحتمل أن يكون هذا النموذج غير دقيق في بعض الحالات، خاصة في المناطق ذات الكثافة السكانية العالية أو حيث يكون استخدام الهاتف المحمول منخفضًا.
ولأول مرة استخدمت إسرائيل نظام الذكاء الاصطناعي على نطاق واسع في عملياتها العسكرية؛ حيث ساعد هذا النظام الضباط على تحليل الأهداف والموافقة عليها بسرعة أكبر؛ مما زاد من عدد الأهداف التي يمكن اقتراحها يوميًّا. ومع ذلك يبقى التساؤل حول مدى دقة هذا النظام في تحديد الأهداف العسكرية وتجنب الأهداف المدنية؛ فمن المهم التأكد من أن الذكاء الاصطناعي لا يعتمد فقط على البيانات التاريخية أو أنماط السلوك السابقة، والتي قد لا تكون دقيقة دائمًا في تحديد الأهداف العسكرية.
ومرّت ساعات بين فحص الضابط للهدف وشنّ سلاح الجو للضربة؛ مما أدى إلى الاعتماد على معلومات استخباراتية قديمة. هذا التأخير يثير مخاوف بشأن دقة الضربات ومدى تأثيرها على المدنيين؛ فمع تغير الأوضاع على الأرض بسرعة قد تصبح المعلومات الاستخباراتية قديمة وغير دقيقة؛ مما يزيد من خطر إلحاق الضرر بالمدنيين أو استهداف أهداف غير صحيحة.
في ظلّ هذه الاستراتيجيات المثيرة للجدل، يبقى السؤال: هل التزمت إسرائيل حقًّا بقوانين الحرب وحماية المدنيين خلال عملياتها العسكرية في غزة؟ وهل هذه التغييرات في قواعد الاشتباك ضرورية في سياق التهديد العسكري غير المسبوق الذي تواجهه إسرائيل؟ أم أنها تتعارض مع التزاماتها الدولية بحماية المدنيين في النزاعات المسلحة؟
0 تعليق