الثورة السورية وانعكاساتها على الإسلاميين

arabi21.com 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف
ما من شك أن تاريخ ثورات الشعوب ضد أنظمة الاستبداد والفساد يؤكد أن نجاحها يتحقق بإسقاط النظام وإقامة بديل عنه يحقق العدل ويضمن الحرية والكرامة. وبهذا المعنى فإن الثورة السورية قد قطعت منتصف الطريق بتجاوز مرحلة الهدم إلى النصف الثاني المتعلق  بمرحلة البناء .

ورغم أهمية المرحلة الأولى بمعاناتها ومآسيها وجراحاتها وما خلفته من آثار فإن تحديات مرحلة البناء  ستكون أكثر صعوبة وتعقيدا ولا تعويل فيها إلا على وعي الشعب السوري بكل مكوناته السياسية والعرقية والطائفية ونضج قياداته من كل الأجيال والمراحل الذين طحنتهم عشرية التآمر على الثورات العربية طحنا ذاقوا أثناءه ويلات استبداد البعث أضعافا مضاعفة وجحيم التدخل الأجنبي ومرارة الصراع العرقي والطائفي وعربدة المليشيات جعلت من إمكانية  تشكل قوى مضادة للثورة مثل بعض التجارب الأخرى أمرأ في غاية الصعوبة .

لقد حقق السوريون خطوتهم الثورية الأولى بعد أن نضجت إرادتهم الوطنية للبناء وبدت وكأنها تجاوزت التناقضات وانصهرت في عنوان واحد سوريا أولا وأخيرا على وقع شعار"ارفع اسك فوق أنت سوري حر". وبعد أن سنحت لهم الظروف الإقليمية والدولية بفشل كل محاولات إنعاش نظام البعث. ويبقى الاختبار الأكبر هو بناء الدولة على أسس مدنية ديمقراطية يسودها القانون وتتحقق فيها الحرية والعدالة الاجتماعية لكل مكونات الشعب دون استثناء .

إن تسلسل الأحداث يفضي بالضرورة إلى حقيقة لا يمكن القفز عليها وهي أن الثورة السورية من سلالة الثورات العربية في موجتها الأولى والتي عبرت بوضوح عن مدى رغبة شعوب المنطقة في الحرية وعن ثقتها في الإسلاميين وانتخابها لهم لإدارة الحكم.

لقد حقق السوريون خطوتهم الثورية الأولى بعد أن نضجت إرادتهم الوطنية للبناء وبدت وكأنها تجاوزت التناقضات وانصهرت في عنوان واحد سوريا أولا وأخيرا على وقع شعار"ارفع اسك فوق أنت سوري حر". وبعد أن سنحت لهم الظروف الإقليمية والدولية بفشل كل محاولات إنعاش نظام البعث. ويبقى الاختبار الأكبر هو بناء الدولة على أسس مدنية ديمقراطية يسودها القانون وتتحقق فيها الحرية والعدالة الاجتماعية لكل مكونات الشعب دون استثناء .

والظاهر أن كلا التوجهين قد اعتبرتهما دوائر القرار الغربية ووكلائها من الأنظمة العربية خطرين استراتيجيين على مصالحهم ووجودهم ووجود ذراعهم الطولى الكيان الصهيوني في المنطقة. وكان التوجه نحو إسقاط كل تجارب الانتقال الديمقراطي ومن ورائها الإسلاميين.

إلا أن حالة عدم الاستقرار ورياح التحولات الدولية والإقليمية والمحلية قد جرت بما لا تشتهيه سفن  الهيمنة والاستبداد والمشاريع الطائفية المغشوشة وأعادت الأمة وقضاياها المركزية وقواها المتجذرة في عمقها الحضاري إلى صدارة الأحداث وعلى رأسها قضية تحرير فلسطين من خلال معركة طوفان الأقصى، ثم قضية حرية الشعوب وتحرير إرادتها من خلال انتصار الثورة في سوريا وإسقاط حكم البعث.

ومن مكر الله الذي ورد في القرآن الكريم في قوله تعالى "ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين" (سورة الانفال الاية 30) أن عاد الإسلاميون بنسخ أكثر نضجا وفاعلية من تحت أنقاض فلسطين  وسوريا. وللإشارة فإن معنى مكر الله هو تدبيره الخفي وفق سننه الكونية التي يجري من خلالها  قضاؤه وقدره لإبطال مكر الماكرين وظلم الظالمين واعتداءات المعتدين .

فما هي دلالات هذه العودة وانعكاساتها على عموم  واقع الإسلاميين؟ وما هي آفاقها المستقبلية؟

رغم محدودية عودة الاسلاميين وخصوصيتها  لتصدر المشهد الاقليمي بأبعاده الدولية ومن قلبه النابض  الشام وما لموقعه الجيواستراتيجي من أبعاد قديما وحديثا فإن لها دلالات عميقة  لعل من أهمها :

ـ سقوط الأفكار الكبرى ومحاملها السياسية من أنظمة وأحزاب في معاقلها سقوطا لا رجعة فيه، لعدم جاذيتها وعزلتها المجتمعية آخرها القومية وآخر نظام حكم يستند إليها في المنطقة العربية ومن قبلها الماركسية ولم يبق لحامليها سوى وضع أنفسهم في خدمة أنظمة الفساد الاستبداد في انتظار ما سيؤول إليه أمرهم من اندثار .

ـ أزمة القيم التي تعيشها الإنسانية عموما والغرب خصوصا وحالة الفراغ الروحي والخواء الفكري والسياسي والتناقض الصارخ بين الشعارات والممارسات في علاقة بالحقوق والحريات والعدالة والكرامة التي يتم الكيل فيها بمكيالين زادتها فضائع النظام السورى المنهار وجرائم الإبادة الجماعية في غزة تعرية وجعلت من الإسلام كعقيدة وكمنظومة قيم إنسانية خير بديل حضاري لملء الفراغ وجعل مشاريع الإصلاح المنبثقة عنه رغم ما حصل فيها من انحرافات وتعثرات وانزلاقات أفرغتها أحيانا من أسسها القيمية والأخلاقية هي الوحيدة ذات الجاذبية والقدرة على التجدد وتحقيق الشهود الحضاري للأمة.

لقد فتح انتصار الثورة السورية وصمود المقاومة الفلسطينية آفاقا لقوى الإصلاح والتغيير وبث فيها روحا ستسري عاجلا أم آجلا في جسم الأمة بتلاقح خبرات أجيالها الحالية وطموحات ووعي أجيالها الجديدة الصاعدة..

ـ تكثف الدروس والعبر المستخلصة من التاريخ القديم والحديث ومن مختلف تجارب الثورات العربية وتجارب الإسلاميين بمختلف تشكلاتهم  في التجربتين الفلسطينية والسورية في علاقة بالفكرة الإسلامية  ومحاملها وبالمجتمع وبالدولة وبمنهج الإصلاح دون إغفال للسياقات والخصوصيات.

إن هذه الخلاصات تقود بالضرورة إلى البحث في انعكاسات تطور الأحداث خاصة في سوريا باعتبارها معركة حرية وكرامة على واقع الإسلاميين ما بعد فشل الثورات العربية وانتقالها الديمقراطي ومن ورائها الإسلاميين أنفسهم في نسختهم التقليدية رغم ما حصل فيها من تعديلات في بعض التجارب إلا أنها لم تسعفها بالصمود أمام تحديات الواقع .

أولا ـ ضرورة النقد الذاتي والمراجعات للتأقلم مع متغيرات الواقع والاستجابة لتحدياته تحت سقف المنظومية القيمية الإسلامية المتجذرة في عمق المجتمعات العربية الإسلامية والقائمة على أساسها الدولة الوطنية وفي إطار الجمع بين المبدئية والواقعية والانفتاح دون تشدد أو تحلل.

ثانيا ـ إدراك عمق التحدي الحضاري في التعاطي مع عملية الإصلاح والبناء في علاقة بالمحيط الإقليمي والدولي وبالغرب خصوصا الذي يعتبر أصحاب المرجعية الإسلامية نقيضا حضاريا له بما يدعو للتفكير في صيغ التواجد وعناوين الفعل السياسي الإصلاحي ومراجعتها .

ثالثا ـ إعادة النظر في الرؤية للمجتمع والدولة الوطنية الحديثة ومنهج إصلاحهما والعلاقة بهما بين المرونة والاندماج أو القطيعة والصدام والاجتهاد في دراسة تجارب الإصلاح والتغيير لاستنباط المنهج السلمي المدني المناسب لتحقيق تتطلعات الشعوب للحرية والكرامة .

رابعا ـ جعل الالتزام بالقيم والأخلاق والقانون والديمقراطية والمأسسة الحقيقية ووضوح الرؤية ووحدة الأهداف والوسائل وإعداد البرامج واحترام قواعد الشفافية والإدارة العصرية حجر الزاوية لبناء أي إطار سياسي  بعيدا عن الولاءات  للأشخاص والزعامات  بدل الأفكار والخيارات  .

لقد فتح انتصار الثورة السورية وصمود المقاومة الفلسطينية آفاقا لقوى الإصلاح والتغيير وبث فيها روحا ستسري عاجلا أم آجلا في جسم الأمة بتلاقح خبرات أجيالها الحالية وطموحات ووعي أجيالها الجديدة الصاعدة..

فهل يدرك الإسلاميون بمختلف مكوناتهم وتنوع تجاربهم وخبراتهم خطورة المرحلة ومتطلباتها؟

*كاتب وناشط سياسي تونسي

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق