وسط التطلعات إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي من الطاقة في مصر، تتوالى الاكتشافات الغازية في البحرين الأبيض والأحمر، حاملة آمالاً بمستقبل واعد، لكنها في الوقت ذاته تكشف عن تناقض صارخ؛ فبينما تظهر المؤشرات الإيجابية على خارطة الاستكشاف، يظل الواقع يفرض فجوة مؤرقة بين الإنتاج والاستهلاك تصل إلى 25%، لتبقى الدولة أمام تحدٍ استراتيجي يتطلب أكثر من مجرد اكتشافات، بل إعادة صياغة لمنظومة الإنتاج والبنية التحتية والتمويل.

فجوة مؤرقة بين الإنتاج والاستهلاك تصل إلى 25%

رغم توالي الأخبار عن اكتشافات جديدة في مجال الغاز الطبيعي، لا تزال مصر تعاني من أزمة متفاقمة تتمثل في فجوة كبيرة بين ما تنتجه من غاز وما تستهلكه فعليًا. فرغم الجهود الحكومية لتعزيز قدرات الإنتاج من خلال توسيع رقعة الاستكشاف في البحرين الأحمر والمتوسط، إلا أن العجز اليومي في الإمدادات يقارب 2.2 مليار قدم مكعب.

ويُرجع خبراء في قطاع الطاقة، مثل مدحت يوسف، الرئيس الأسبق لهيئة البترول، هذه الفجوة إلى أن الاكتشافات الأخيرة لن تكون كافية لتلبية الطلب المحلي المتزايد، الذي يُقدر بنحو 6.2 مليار قدم مكعب يوميًا، في وقت لا يتجاوز فيه الإنتاج 4 مليارات قدم مكعب. 

العجز اليومي في الإمدادات يقارب 2.2 مليار قدم مكعب

وتُعد الحاجة لإجراءات فورية وحلول مبتكرة أمراً لا مفر منه، خاصة مع تراجع الإنتاج بنسبة 11.5% عام 2023 مقارنة بعام 2022، ما أدى إلى تسجيل أدنى معدل إنتاج منذ عام 2016.

في ضوء هذه المعطيات، تتوجه الأنظار نحو الاستثمارات في البنية التحتية كمفتاح أساسي لحل الأزمة، إذ تؤكد التحليلات أن إنشاء محطات تغويز برية، مثل محطة إدكو، يمكن أن يحقق عائدًا اقتصاديًا ملموسًا مقارنة بالاعتماد على السفن العائمة المستأجرة، والتي تستهلك قرابة 150 ألف دولار يوميًا.

حفر أكثر من 100 بئر جديدة أضافت 271 مليون قدم مكعب يوميًا للإنتاج

من جهة أخرى، تواجه مصر تحديات مالية مع الشركاء الأجانب، ما أدى إلى تعثر عمليات السداد والتأثير سلبًا على خطط الإنتاج، بحسب تصريحات رئيس الوزراء مصطفى مدبولي، ومع ذلك، فقد أسفرت جهود الحكومة عن حفر أكثر من 100 بئر جديدة، أضافت 271 مليون قدم مكعب يوميًا للإنتاج، وهي خطوة تُعزز آمال تقليص الفاتورة السنوية لاستيراد الغاز التي تبلغ نحو 3 مليارات دولار.

ومع أن الحكومة تتطلع لبدء تشغيل الحقول المكتشفة بنهاية 2025، إلا أن الواقع يفرض التعامل مع الفجوة الحالية بسياسات مزدوجة؛ أحد جوانبها فني يعتمد على تسريع مشاريع الاستخراج والبنية التحتية، والآخر مالي يرتكز على حلحلة أزمة المستحقات لتشجيع الشركاء الأجانب على الاستثمار من جديد.