مع تدفّق الملايين من المسلمين من مختلف بقاع الأرض لأداء مناسك الحج، يواجه الحجاج بيئة صحية غير مألوفة، تجمع بين التغير المناخي، والازدحام الشديد، والمجهود البدني المكثّف.
عوامل مجتمعة تفتح الباب أمام مجموعة من الأمراض التي تنتشر بسهولة في مثل هذه الظروف، وتشكل خطرًا على صحة الحاج وسلامته إذا لم يُستعد لها بشكل كافٍ.

في خضم الجهود الروحية والجسدية التي يبذلها الحاج، كثيرًا ما يتهاون البعض في الالتزام بالممارسات الصحية المرتبطة بالغذاء، مما يعرّضهم لخطر الإصابة بأمراض الجهاز الهضمي. فالتسمم الغذائي، والنزلات المعوية الفيروسية، وحتى حالات الكوليرا، تظل تهديدات قائمة إذا ما أُهملت قواعد النظافة وسلامة الطعام.
وتكمن خطورة هذه الأمراض في كونها سريعة الانتشار ومميتة في بعض الحالات، لا سيما مع فقدان السوائل الذي يؤدي إلى الجفاف والصدمة.

ويُعد غسل اليدين جيدًا قبل الأكل وبعد استخدام المرحاض، وتجنّب الأطعمة المكشوفة أو غير المبسترة، من الخطوط الدفاعية الأساسية. كما يُنصح بتناول الفواكه والخضروات الطازجة بعد غسلها جيدًا، والإكثار من شرب الماء النظيف والعصائر لتجنب الجفاف.

تُعتبر الإصابات الحرارية من الظواهر المتكررة والخطيرة التي تصيب الحجاج، خصوصًا خلال أيام الوقوف بعرفة ورمي الجمرات في منى. ومع ارتفاع درجات الحرارة إلى مستويات قياسية، يتعرض الجسم للإرهاق الشديد نتيجة التعرق وفقدان الأملاح، مما يؤدي إلى حالات مثل الإجهاد الحراري، وضربة الشمس، والتشنجات الحرارية.

ويُعد ارتفاع حرارة الجسم المفاجئ أحد أخطر المؤشرات التي تستدعي التدخل السريع، فـضربة الشمس قد تؤدي إلى فقدان الوعي وتوقف بعض وظائف الجسم الحيوية. ويكمن الحل في الوقاية المبكرة: ارتداء الملابس القطنية الفاتحة، استخدام المظلات، تجنّب التعرض المباشر للشمس، والحرص على شرب كميات كافية من السوائل. أما من تظهر عليه أعراض الإصابة، فيجب نقله فورًا إلى مكان بارد، وتبريده بالماء، والاتصال بالإسعاف دون تأخير.

بعيدًا عن الأمراض الظاهرة، هناك مخاطر خفية قد لا ينتبه لها الكثير من الحجاج، أبرزها الحمى الشوكية أو "التهاب السحايا"، والتي تنتشر بسهولة في بيئة مكتظة كالحج، خاصة مع قدوم حجاج من دول تنتشر فيها العدوى. وتعدّ الحمى الشوكية من الأمراض القاتلة إذا لم يتم اكتشافها مبكرًا، حيث تؤدي إلى التهاب حاد في الأغشية المحيطة بالمخ والحبل الشوكي. وتشمل أعراضها الحمى الشديدة، تصلب الرقبة، التشنجات، والطفح الجلدي، وتُعد الوقاية بالتطعيم المسبق خطوة أساسية لتجنّب الإصابة.

أما على الجانب العضلي، فكثير من الحجاج يعانون من إجهاد عضلي وآلام المفاصل نتيجة المشي الطويل، وضعف اللياقة البدنية، والجهد المتواصل. وتتفاوت الإصابات بين التمزقات العضلية والتورمات، ويُوصى بالتوقف عن الحركة فور الإحساس بالألم، استخدام الكمادات الباردة، وربط الجزء المصاب برباط ضاغط، إضافة إلى استشارة طبية عند الحاجة.