فقدت إيران أهم قواعدها العسكرية في المنطقة بعد أن أطاحت مجموعات تابعة لهيئة تحرير الشام والجيش الوطني السوري، بنظام بشار الأسد في سوريا.
منذ بداية الصراع في سوريا عام 2011 وحتى سقوط النظام في 8 ديسمبر/ كانون الأول 2024، اضطرت إيران إلى مغادرة سوريا التي استثمرت فيها على مدى 13 عامًا، لا سيما في المجال العسكري.
وفي 11 ديسمبر/ كانون الأول 2024، بعد ثلاثة أيام من سقوط نظام الأسد، صرّح مرشد الثورة الإسلامية الإيرانية، آية الله خامنئي، بتوجيه اتهامات مباشرة للولايات المتحدة وإسرائيل، وضمنيًا لتركيا دون ذكر اسمها.
كما نُشرت تصريحات خامنئي باللغة التركية عبر حسابه الرسمي على منصة إكس (تويتر سابقًا).
كذلك وصف خامنئي سقوط نظام الأسد بالقول: "لعبت إحدى الحكومات المجاورة لسوريا – ولا تزال- دورًا واضحًا فيما حدث في سوريا. لكن القوة التآمرية الحقيقية والمركز الرئيسي للقيادة هما أميركا والنظام الصهيوني. لدينا أدلة قاطعة لا تدع مجالًا للشك على ذلك".
من جهتها، نشرت وسائل الإعلام الإيرانية، منذ بدء العمليات وحتى سقوط دمشق والأيام التي تلت ذلك، تقارير شديدة اللهجة ضد تركيا.
وأثارت التصريحات القاسية الصادرة عن خامنئي بعد سقوط نظام بشار الأسد تساؤلات حول مستقبل العلاقات التركية- الإيرانية.
إعلان
تركيا وإيران دولتان متنافستان
لطالما شهدت العلاقات بين تركيا وإيران تقلبات منذ أواخر القرن الخامس عشر وحتى اليوم. فمنذ عام 1470، كانت الدولتان منافستين جديتين على النفوذ الإقليمي، حيث هدأت هذه المنافسة تارة، واحتدت تارة أخرى.
ويعكس التاريخ الطويل للعلاقات التركية- الإيرانية إشارات على الكيفية التي قد تتشكل بها العلاقات بين البلدين بعد سقوط نظام الأسد.
تشير التطورات إلى أن إيران فقدت مجال نفوذها في سوريا. وبالنظر إلى تراجع قوة حزب الله بعد الخسائر التي تكبدها في الحرب مع إسرائيل، وتقلص تأثيره، يمكن القول إن نفوذ إيران قد يضعف أيضًا في العراق واليمن، حيث كانت طهران تتمتع بتأثير كبير.
وتشير الأحداث العالمية والإقليمية إلى تراجع نفوذ إيران، الذي رُوكم عبر قواتها العسكرية وحلفائها في المنطقة، في الوقت الذي يتزايد فيه نفوذ تركيا في المنطقة.
ورغم ذلك، لا يُتوقع أن تصل العلاقات التركية- الإيرانية إلى حد القطيعة. ومع عدم توقع حدوث تغييرات جذرية في العلاقات بين البلدين، لكن يمكن القول إن المنافسة التاريخية بينهما ستزداد حدة.
وعليه، من المرجح أن تحاول إيران – التي فقدت نفوذها في سوريا وتَعتبر تركيا مسؤولة عن ذلك – الضغط على أنقرة، خصوصًا في العراق.
هل يمكن لإيران أن تدير ظهرها لتركيا؟
تمتد العلاقات بين تركيا وإيران إلى ما هو أبعد من الجوار، حيث تشمل مجالات عديدة أبرزها الاقتصاد. وبالتالي، تدفع التطورات الإقليمية إيران إلى التكيف مع سياسة خارجية تركية أقوى وأكثر نشاطًا، مع عدم امتلاكها القدرة على تغيير هذا الواقع.
ورغم أن اتهامات آية الله خامنئي الضمنية لتركيا يمكن تفسيرها كإشارة إلى أن إيران قد تحاول تقويض السياسات الإقليمية لتركيا، فإن تصريحات المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية، إسماعيل بقائي، أظهرت موقفًا أكثر تقبلًا للتطورات في سوريا.
وبالنظر إلى أن العلاقات بين تركيا وإيران تتجاوز مجرد علاقات حسن الجوار، فمن غير المتوقع أن تتبنى إيران سياسة خارجية تضعها في مواجهة واضحة مع تركيا، رغم أن المنافسة قد تحتدم.
إعلان
وفي تصريح له يوم الثلاثاء، أعطى إسماعيل بقائي إشارات إيجابية تجاه تركيا والإدارة الجديدة في سوريا.
حيث قال: "نحتاج إلى إجراء الاستعدادات اللازمة، بما في ذلك ضمان أمن السفارة الإيرانية وموظفيها في دمشق. وبمجرد توفير الظروف الأمنية والسياسية الضرورية، سنواصل هذا العمل".
وأضاف: "نأمل أن تشهد سوريا انتقالًا سلميًا يحافظ على سيادتها وسلامة أراضيها، ويؤدي إلى تشكيل حكومة شاملة. علاقاتنا مع سوريا تاريخية، ونحن نريد لها الأفضل، وسنواصل سياساتنا في هذا الاتجاه".
وأثناء تقييمه لتطورات الأوضاع في سوريا، استخدم بقائي نبرة مختلفة عن خامنئي، مشيرًا إلى أنه "من الطبيعي أن يكون للدول سردياتها الخاصة حول الأحداث والتطورات".
وفي إجابة لدبلوماسي إيراني خبير عند سؤاله عن تأثير التطورات في سوريا على العلاقات التركية- الإيرانية، أشار إلى أن "إيران لديها تواصل نشط للغاية مع وزارة الخارجية التركية بخصوص الشأن السوري".
بالإضافة إلى ذلك، التقى رئيسا تركيا وإيران على هامش قمة الدول الثماني النامية (D-8) في القاهرة. ووصف الدبلوماسي الإيراني اللقاء الثنائي بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان والرئيس الإيراني مسعود بزشكيان بأنه كان إيجابيًا وبناء.
التصريحات المتناقضة الصادرة من إيران
تُظهر تصريحات المرشد الأعلى الإيراني آية الله خامنئي والمتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية إسماعيل بقائي اختلافًا كبيرًا. ففي حين استهدف خامنئي تركيا بشكل غير مباشر، فضلت وزارة الخارجية الإيرانية استخدام لهجة أكثر تصالحية واعتدالًا.
وفي هذا السياق، أوضح صحفي إيراني مختص – فضل عدم الكشف عن اسمه – أن "التطورات في سوريا أثارت ردود فعل قوية داخل إيران، كما أنها أدت إلى إحباط كبير داخل جماعات مثل الحشد الشعبي وأنصار الله".
لافتًا إلى أنه يجب فهم تصريحات آية الله خامنئي على أنها موجهة للرأي العام الداخلي الإيراني وللمنظمات المنضوية ضمن محور المقاومة، بهدف توحيد صفوفها وإزالة حالة الإحباط.
إعلان
من جهة أخرى، شدد أكاديمي إيراني مختص بالعلاقات الإيرانية- التركية على أن "التقييم الصحيح للعلاقات بين تركيا وإيران ونظرة إيران إلى الإدارة الجديدة في سوريا يجب أن يستند إلى التصريحات الصادرة عن وزارة الخارجية الإيرانية".
وبناء على سبق، يمكن القول إنه من المتوقع أن تزداد حدة المنافسة القديمة بين تركيا وإيران في المستقبل، خاصة في الساحة العراقية. ومع ذلك، يُرجح أن تظل هذه المنافسة متوازنة، دون أن تؤثر سلبًا على العلاقات الاقتصادية بين البلدين.
ومع تولي دونالد ترامب الرئاسة وتصاعد العقوبات الاقتصادية على إيران، يُتوقع أن تفضل إيران التعامل مع تركيا كداعم دبلوماسي ضد العقوبات بدلًا من رؤيتها كخصم. حيث إن تركيا لم تدعم أبدًا إدخال الاقتصاد الإيراني في أزمات خانقة، وفضلت الحفاظ على استقرار المنطقة. وبالتالي، قد ترى إيران في تركيا شريكًا يمكنها الاعتماد عليه للتخفيف من وطأة العقوبات في عهد ترامب.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
0 تعليق