نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
بابا أميركي... عن الهوّة بين "إمبراطوريتين" - شوف 360 الإخباري, اليوم الجمعة 9 مايو 2025 11:15 صباحاً
يقال إنّه في سنة 2005، انتُخب الألمانيّ جوزف راتسينغر رئيساً للكنيسة الكاثوليكية لأنّ هاجس الكرادلة كان واضحاً آنذاك: علمنة أوروبا. حين أطلّ البابا لاوون الرابع عشر من على شرفة الفاتيكان مساء الخميس ليحيّي المؤمنين، بدأ البحث مجدداً عن الهواجس الأساسية لكرادلة "الكونكلاف". لماذا يجلس أميركيّ على عرش القديس بطرس؟
"إمبراطوريّتان متوازيتان"
لم يكن اسم بريفوست من الأسماء البارزة التي تصدّرت قائمة المرشحين الأوائل للفوز بالبابوية. يبدو أنّ القاعدة صمدت: "من يدخل المجمع المغلق بابا يخرج كاردينالاً".
بعد الجولة الأولى من التصويت، بدأت الأمور تتبلور. ذكر مراسل "بوليتيكو" المقيم في روما بن مونستر أنّ أسهم الكاردينال روبرت بريفوست بدأت ترتفع ليل الأربعاء، مع بحث الكرادلة عن مرشح "استمرارية" للبابا فرنسيس، إضافة إلى تمتّعه بقدرة على التوفيق بين مختلف التيارات في الكنيسة. واسم بريفوست كان حاضراً أيضاً في تقرير لمجلة "أميركا" الكاثوليكية وإن لم يكن في عداد من ارتفعت حظوظهم بشكل خاص في الساعات الأخيرة.
وبحسب مراسل مجلة "ناشونال كاثوليك ريبورتر" في روما كريستوفر وايت، كان الفاتيكان والولايات المتحدة "إمبراطوريتين متوازيتين"، لكلّ منهما مجال نفوذه الخاص. في السابق، كان يُخشى من حصر الكثير من النفوذ في يد البابا إذا أتى من القوة العظمى. اليوم، وبسبب نزعة ترامب الانعزاليّة، كما بسبب منظور بريفوست العالميّ – فهو قضى معظم خدمته الكنسيّة في الخارج – أصبح بإمكانه التصدّي لنزعة ترامب بحسب وايت.
لكنّ بريفوست أميركيّ المولد لا السياسة، بالمعنى الضيّق للكلمة. يقول رئيس قسم الدراسات الكاثوليكية في جامعة القلب الأقدس في كونكتيكت دانيال روبر إنه وخلال محادثات ما قبل انعقاد المجمع المغلق، وُصف بريفوست بأنه "الأقلّ أميركية بين الكرادلة الأميركيين".

مؤمنون يلوّحون بالعلم الأميركي في ساحة القديس بطرس (أ ب)
والده من أصول فرنسيّة-إيطاليّة ووالدته من أصول إسبانيّة. تمثّل عائلته تنوّعاً إثنيّاً مغايراً إلى حدّ بعيد لتصور قاعدة "ماغا" عن التجانس الثقافيّ للولايات المتحدة. هكذا، جسّد لاوون الرابع عشر "استمراريّة" كبيرة لسلفه الراحل البابا فرنسيس. وهي ليست استمراريّة في القضايا الثقافيّة وحسب.
"أريد بابا مثله تماماً"
{adframe width=300 height=250}كان جواكينو بيتشي الحبرَ الأعظم ما قبل الأخير الذي حمل اسم لاوون. دامت حبريّة لاوون الثالث عشر من سنة 1878 و1903. يعدّ ذلك البابا مؤسّس العقيدة الكاثوليكية الاجتماعية التي تدافع عن حق العمال بالكرامة وظروف العمل اللائقة وحقّ تأسيس النقابات العمالية والإضراب. حاول لاوون الثالث عشر في رسالته البابوية Rerum Novarum "عن الأشياء الجديدة" إيجاد حل للأزمة الاجتماعيّة التي خلّفها التصنيع في القرن التاسع عشر.
سنة 1963، تبادل كاهن وامرأة حديثاً صغيراً في ساحة القديس بطرس. قالت المرأة: "أريد بابا تماماً مثل يوحنا". كانت تشير إلى البابا يوحنا الثالث والعشرين المتوفى حديثاً آنذاك. أجاب الكاهن: "لا يحتاج إلى أن يكون مثله تماماً. الشيء المهمّ هو أن يكون بابا جيداً". ردّت المرأة: "لا، لا. أريد أحداً مثل يوحنا تماماً".
لن يكون لاوون الرابع عشر البابا فرنسيس في توجّهاته الاجتماعيّة والسياسيّة، لكنّه قد يكون قريباً منه. على صعيد القضايا الخلافيّة الكبرى التي تفصل المحافظين والتقدّميّين في الكنيسة، يمكن انتظار بعض الوقت حتى معرفة المزيد عن أفكاره. الأكيد أنّ بريفوست ليس ترامبيّاً، وهو ردّ ذات مرّة على تغريدة لنائبه جيه دي فانس طالب فيها بتقييد استقبال المهاجرين. مع ذلك، ينبغي عدم التركيز كثيراً على قضية "اللا-ترامبيّة" السياسيّة هذه. فهي أساساً لا تعني بالضرورة مواجهة مع الرئيس الأميركيّ بمقدار ما قد تعني اختلافاً معه بالرؤى، هذا إذا كانت هذه الرسالة موجودة فعلاً.
ترف؟
وثمّة اعتبارات أخرى تحكم مصلحة الكنيسة الكاثوليكيّة. قد يكون انتخاب البابا رسالة إلى الكنيسة المحلّيّة في الولايات المتحدة بأنّها غير متروكة. وبما أنّ البابا الجديد يملك جنسيّة البيرو التي كان أسقفاً فيها، قد يكون الانتخاب أيضاً لفتة ثانية إلى أميركا اللاتينيّة.
صحيح أنّ ثمّة ما يبرّر ظاهرياً التفكير بأنّ الكرادلة وجّهوا رسالة إلى ترامب عبر انتخاب لاوون الرابع عشر. لكن ثمة حدود لهذه الفكرة. من التطوّرات الجيوسياسيّة، مروراً بالعقيدة، وليس انتهاء بدور العلمانيين في الكنيسة، لا نقصَ في القضايا الشائكة التي تؤرق الكرادلة. بالتالي، يصبح الانشغال بتوجيه رسالة إلى ترامب، ناهيكم عن إعلان مواجهته، أقرب إلى الترف. في نهاية المطاف، إنّ الذين يختارون كاردينالاً شابّاً نسبيّاً ليتبوأ سدّة البابويّة يفكّرون حكماً باتّجاهات أبعد من أربعة أعوام.
تعهّدُ كينيدي
حين ترشّح جون كينيدي كأوّل كاثوليكيّ إلى الرئاسة الأميركيّة، تعهّدَ أمام ناخبيه بألا يعمل بنصائح البابا. إلى هذا الحدّ، كانت الهوة الفاصلة بين أميركا والفاتيكان كبيرة. اليوم، رُدمت الهوّة النفسيّة. لم يكن بإمكان كينيدي تخيّل أنّ بايدن، وبصفته ثاني رئيس كاثوليكيّ أميركيّ، سيضع صورة للبابا فرنسيس على مكتبه الرئاسيّ، بحسب وايت.
مع ذلك، يبدو أنّ ثمّة أموراً لا تتغيّر. لا بريفوست ولا ترامب سيعملان بالنصائح المتبادلة.
0 تعليق