نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
عدنان القصار: جسر التجارة بين بيروت وبكين - شوف 360 الإخباري, اليوم الاثنين 5 مايو 2025 05:10 مساءً
برحيل عدنان القصّار، يفقد لبنان والعالم العربي أحد أبرز رموز الاقتصاد والديبلوماسية الاقتصادية، ورائداً في بناء العلاقات التجارية العربية الصينية منذ منتصف القرن الماضي. لم يكن القصار مجرد رجل أعمال، بل كان مهندساً لعلاقات قائمة على التبادل والمصالح المتبادلة، في وقت لم تكن فيه الصين تُعرف بعد كقوة اقتصادية صاعدة، ولا كان التعاون معها مألوفاً في المحيط العربي.
في عام 1954، التقى عدنان القصار وشقيقه عادل بوفد من التجار الصينيين في كراتشي – العاصمة الباكستانية آنذاك – ضمن معرض تجاري. ورغم أن الصين كانت لا تزال في بدايات تأسيسها كجمهورية شعبية حديثة العهد، أدرك القصار مبكراً إمكانيات التعاون التجاري معها. هذه المبادرة المبكرة مهدت الطريق لتوقيع أول اتفاقية تجارية بين لبنان والصين في عام 1955، عبر "شركة عدنان وعادل القصار"، في وقت لم تكن فيه علاقات ديبلوماسية رسمية قائمة بين البلدين.
شكل هذا الاتفاق سابقة في العالم العربي، بل في العالم، حيث أُنشئ أول مكتب تمثيلي صيني في بيروت، وسُمح بالتبادل التجاري بين الصين ولبنان عبر هذه القناة الخاصة. وقد شهدت تلك المرحلة تبادلاً للسلع الأساسية – من النسيج والمواد الأولية الصينية، إلى المنتجات اللبنانية القابلة للتصدير.
من خلال رئاسته لغرفة التجارة والصناعة والزراعة في بيروت وجبل لبنان (1972-2005)، ثم في الاتحاد العام لغرف التجارة والصناعة والزراعة للبلاد العربية، عزز القصار العلاقات بين القطاع الخاص العربي والمؤسسات الاقتصادية الصينية. لقد حرص على إبقاء الصين على أجندة التعاون الاقتصادي العربي، خصوصاً في المؤتمرات العربية الصينية، وكان من أبرز الداعمين لإنشاء المنتدى الاقتصادي العربي الصيني في بكين.
خلال عدة مؤتمرات اقتصادية في الصين ولبنان التي حضرتها شخصياً، كان القصار يتبنى دائماً مقاربة تسعى إلى خلق توازن بين المصالح الاقتصادية والفرص التجارية. وقد كانت خطاباته مليئة بالحوافز العملية، حيث كان يسلط الضوء على الفوائد التي يمكن أن تعود على لبنان والعالم العربي من التعاون مع الصين. لم تكن أحاديثه ترويجية بقدر ما كانت قائمة على أرقام ملموسة وحقائق واقعية تعكس تطور العلاقات التجارية بين البلدين.
{adframe width=300 height=250}
تميزت علاقة القصار بالصين بمقاربة عقلانية، تراعي مصالح الطرفين ولا تسير خلف ضجيج السياسة. وهو ما جعله محل ثقة من الصينيين، خاصة من وزارة التجارة والمجلس الصيني لتطوير التجارة الدولية (CCPIT)، الذين منحوه لاحقاً عدة جوائز تكريمية، أبرزها "جائزة الصداقة الصينية العربية" عام 2016، إلى جانب قادة عرب آخرين كان لهم دور في تعزيز هذه العلاقة.
وقد دعم القصار مبكراً الانفتاح اللبناني على مبادرة "الحزام والطريق"، بل اعتبر أن لبنان قادر على أن يكون نقطة ارتكاز لهذه المبادرة في شرق المتوسط، بفضل موقعه الجغرافي ومهاراته التجارية.
برحيله، يرحل جيل من الرواد الذين فهموا مبكراً معنى أن تكون العلاقات التجارية أداة للتقارب الثقافي والسياسي، وليس مجرد أرقام وموازنات. لم يقتصر دور القصار على مبادرات ثنائية، بل أسهم في تأسيس فهم أوسع للعلاقات العربية الصينية، من بوابة الاقتصاد، وجعل بيروت محطة موثوقة للتجار والدبلوماسيين الصينيين.
إن مسيرة القصار تشكل فصلاً مهماً في تاريخ العلاقات العربية الصينية. وقد حان الوقت لتوثيق هذا الفصل بدقة، وتكريسه كمصدر إلهام للأجيال الجديدة من رجال الأعمال العرب الذين يرون في الصين شريكاً استراتيجياً، لا فقط في التجارة، بل في الابتكار والتنمية.
وارف قميحة
رئيس جمعية طريق الحوار اللبناني الصيني
رئيس الرابطة العربية الصينية للحوار والتواصل
0 تعليق